أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر
لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
الأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
-------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه أما بعد:
فقد أذنت بطباعة هذه الأسئلة والأجوبة بعد قراءتها ، رجاء أن ينفع الله بها
والله الموفق .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
المؤلف
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
22/3 / 1422هـ
-------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
........أما بعد
فهذه بعض الأسئلة التي عرضت على فضيلة الشيخ / عبدالعزيز بن عبدالله
الراجحي –حفظه الله – في
مسائل الإيمان والكفر وأجاب عليها بهذه الأجوبة نسأل الله أن ينفع بها وأن
يجعلها في موازين حسناته .
السؤال الأول
بم يكون الكفر الأكبر أو الردة ؟ هل هو خاص بالاعتقاد والجحود والتكذيب أم
هو أعم من ذلك ؟
فقال الشيخ غفر الله له
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك
على عبدالله ورسوله نبينا
وإمامنا وقائدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين ........أما بعد
فإن الكفر والردة – والعياذ بالله – تكون بأمورٍ عدة
- فتكون بجحود الأمر المعلوم من الدين بالضرورة .
- وتكون بفعل الكفر .
- وبقول الكفر .
- وبالترك والإعراض عن دين الله .
فيكون الكفر بالاعتقاد
كما لو اعتقد لله صاحبة ًأو ولداً أو اعتقد أن الله له شريك في الملك أو
أن الله معه مدبرٌ في هذا الكون أو اعتقد أن أحداً يشارك الله في أسمائه أو
صفاته أو أفعاله أو اعتقد أن أحداً يستحق العبادة غير الله أو اعتقد أن
لله شريكاً في الربوبية فإنه يكفر بهذا الاعتقاد كفراً أكبر مخرجاً من
الملة .
ويكون الكفر بالفعل
كما لو سجد للصنم أو فعل السحر
أو فعل أي نوع من أنواع الشرك كأن دعا غير الله أو ذبح لغير الله أو نذر
لغير الله أو طاف بغير بيت الله تقرباً لذلك الغير فالكفر يكون بالفعل كما
يكون بالقول .
·ويكون الكفر بالقول
كما لو سب الله أو سب رسوله r
أو سب دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله r أو بدينه ، قال
الله تعالى في جماعة في غزوة تبوك استهزؤوا بالنبي r وبأصحابه : ( قُلْ
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم ْ)
فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان فدل على أن الكفر يكون بالفعل كما يكون
بالاعتقاد ويكون بالقول أيضاً كما سبق في الآية فإن هؤلاء كفروا بالقول .
· ويكون الكفر بالجحود والاعتقاد
وهما شيء واحد وقد
يكون بينهما فرق فالجحود كأن يجحد أمراًَ معلوماً من الدين بالضرورة كأن
يجحد ربوبية الله أو يجحد ألوهية الله أو استحقاقه للعبادة أو يجحد ملكاً
من الملائكة أو يجحد رسولاً من الرسل أو كتاباً من الكتب المنزلة أو يجحد
البعث أو الجنة أو النار أو الجزاء أو الحساب أو ينكر وجوب الصلاة أو وجوب
الزكاة أو وجوب الحج أو وجوب الصوم أو يجحد وجوب بر الوالدين أو وجوب صلة
الرحم أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة وجوبه أو يجحد تحريم
الزنا أو تحريم الربا أو تحريم شرب الخمر أو تحريم عقوق الوالدين أو تحريم
قطيعة الرحم أو تحريم الرشوة أو غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة
تحريمه .
· ويكون الكفر بالإعراض
عن دين الله والترك والرفض
لدين الله كأن يرفض دين الله بأن يعرض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعبد الله
فيكفر بهذا الإعراض والترك قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا
عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) وقال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ
الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) .
فالكفر يكون بالاعتقاد ويكون بالجحود ويكون بالفعل ويكون بالقول ويكون
بالإعراض والترك والرفض .
ومن أُكره على التكلم بكلمة الكفر أو على فعل الكفر فإنه يكون معذوراً إذا
كان الإكراه ملجئاً كأن يُكرهه إنسان قادر على إيقاع القتل به فيهدده
بالقتل وهو قادر أو يضع السيف على رقبته فإنه يكون معذوراً في هذه الحالة
إذا فعل الكفر أو تكلم بكلمة الكفر بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان ،
أما إذا اطمئن قلبه بالكفر فإنه يكفر حتى مع الإكراه نسأل الله السلامة
والعافية .
فالذي يفعل الكفر له خمس حالات :
1- إذا فعل الكفر جاداً فهذا يكفر .
2- إذا فعل الكفر هازلاً فهذا يكفر .
3- إذا فعل الكفر خائفاً فهذا يكفر .
4- إذا فعل الكفر مكرهاً واطمئن قلبه بالكفر فهذا يكفر .
5- إذا فعل الكفر مكرهاً واطمئن قلبه بالإيمان فهذا لا يكفر لقول الله
تعالى ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ
عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى
الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )
السؤال الثاني :
هناك من يقول : ( الإيمان قول وعمل واعتقاد لكن العمل شرط كمال فيه ) ،
ويقول أيضاً : ( لا كفر إلا باعتقاد ) ، فهل هذا القول من أقوال أهل السنة
أم لا ؟
الجواب :
ليست هذه الأقوال من أقوال أهل السنة ، أهل السنة يقولون : الإيمان هو قول
باللسان وقول بالقلب وعمل بالجوارح وعمل بالقلب ، ومن أقوالهم : الإيمان
قول وعمل ؛ ومن أقوالهم : الإيمان قول وعمل ونية ، فالإيمان
لابد أن يكون بهذه الأمور الأربعة :1- قول اللسان وهو النطق
باللسان .
2- قول القلب وهو الإقرار والتصديق .
3- عمل القلب وهو النية والإخلاص .
4- عمل الجوارح .
فالعمل جزء من أجزاء الإيمان الأربعة ، فلا يقال : العمل
شرط كمال أو أنه لازم له فإن هذه أقوال المرجئة ، ولا نعلم لأهل السنة
قولاً بأن العمل شرط كمال .
وكذا قول من قال : ( لا كفر إلا باعتقاد ) فهذا قول المرجئة ، ومن
أقوالهم : ( الأعمال والأقوال دليلٌ على ما في القلب من الاعتقاد ) وهذا
باطل ، بل نفس القول الكفري كفر ونفس العمل الكفري كفر كما مر في قول الله
تعالى ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) أي : بهذه المقالة
السؤال الثالث
هل الأعمال ركن في الإيمان وجزء منه أم هي شرط كمال فيه ؟
الجواب :
الإيمان قول باللسان وقول بالقلب وعمل بالقلب وعمل بالجوارح كما سبق .
ولا يقال : إنها شرط كمال أو إنها
خارجة عن الإيمان أو إنها لازم من لوازم الإيمان أو من مقتضى الإيمان أو هي
دليل على الإيمان إذ كل هذه من أقوال المرجئة .
السؤال الرابع :
ما أقسام المرجئة ؟ مع ذكر أقوالهم في مسائل الإيمان ؟
الجواب :
المرجئة طائفتان :
الطائفة الأولى : المرجئة المحضة أو الغلاة وهم الجهمية
وزعيمهم الجهم بن صفوان فإن الجهم بن صفوان اشتهر بأربع عقائد بدعية هي :
1- عقيدة نفي الصفات وأخذها عنه الجهمية .
2- عقيدة الإرجاء وأخذها عنه المرجئة .
3- عقيدة الجبر – أي أن العبد مجبور على أعماله – وأخذها عنه الجبرية .
4- عقيدة القول بفناء الجنة والنار .
فهذه أربع عقائد خبيثة اشتهر بها الجهم .
والمرجئة المحضة عقيدتهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة ، أي
مجرد معرفة الرب بالقلب ، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ، ولا يكون
الكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه ، وبهذا ألزمهم العلماء بأن إبليس مؤمن ؛ لأنه
يعرف ربه قال الله تعالى عن إبليس ( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ويكون فرعون أيضاً مؤمن لأنه يعرف ربه بقلبه ، قال
تعالى عنه وعن قومه
( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
وذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – في الكافية الشافية فصلاً طويلاً في
بيان معتقد المرجئة المحضة وقال : إنه أخفى هذا مدة ثم أظهره وبيّن أن
عقيدتهم مجرد معرفة الرب بالقلب وأنه لو فعل الأعمال الكفرية مع ذلك فلا
تؤثر في إيمانه ، فلو سبَّ الله أو سبَّ الرسول r أو سبَّ دين الإسلام وقتل
الأنبياء والمصلحين وهدم المساجد وفعل جميع المنكرات فلا يكفر ما دام يعرف
ربه بقلبه وهذا هو أفسد قول قيل في تعريف الإيمان ، وهو قول أبي الحسين
الصالحي من القدرية .
ويليه في الفساد قول الكرّامية القائلين : بأن
الإيمان هو النطق باللسان فقط ، فمن شهد أن لا إله إلا الله بلسانه فإنه
يكون مؤمناً ولو كان مكذباً بقلبه ويسمونه مؤمناً كامل الإيمان وإن كان
مكذباً بقلبه فهو مخلد في النار فيلزمهم على هذا أن المؤمن الكامل الإيمان
مخلدٌ في النار وهذا من أعظم الفساد وهو يلي قول الجهم في الفساد .
الطائفة الثانية : مرجئة الفقهاء وهم أهل الكوفة
كأبي حنيفة – رحمه الله – وأصحابه وأول من قال بأن الأعمال غير داخلة في
مسمى الإيمان هو حماد بن أبي سليما ن شيخ الإمام أبي حنيفة ، وأبو حنيفة له
روايتان في حد الإيمان :
الأولى : أنه تصديق القلب وقول اللسان ، وهذه الرواية عليها أكثر أصحابه .
والثانية : أن الإيمان هو تصديق القلب فقط وأما قول اللسان فهو ركن زائد
خارج عن مسمى الإيمان .
وعلى هذه الرواية يوافق قول الماتريدية أن الإيمان هو تصديق القلب فقط .
ولكن الأعمال مطلوبة عندهم كالصلاة والزكاة والصوم والحج فالواجبات واجبات
والمحرمات محرمات ومن فعل الواجب فإنه يستحق الثواب والمدح ومن فعل الكبائر
فإنه يستحق العقوبة ويقام عليه الحد ، ولكن لا يسمونه إيماناً . يقولون
:الإنسان عليه واجبان : واجب الإيمان وواجب العمل ولا يدخل أحدهما في مسمى
الآخر .
وجمهور أهل السنة يقولون : العمل من الإيمان وهو جزء منه
فالأعمال واجبة وهي من الإيمان ، ومرجئة الفقهاء يقولون : الأعمال واجبة
وليست من الإيمان ، ولهذا قال من قال بأن الخلاف بينهم وبين جمهور أهل
السنة خلاف لفظي ، وقال بهذا شارح الطحاوية والصواب أنه ليس لفظياً .
السؤال الخامس:
هل خلاف أهل السنة مع مرجئة الفقهاء في أعمال القلوب أو الجوارح؟ وهل
الخلاف لفظي أو معنوي ؟ نرجو من فضيلتكم التفصيل.
الجواب :
خلافهم في العمل ، خلاف مرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة
هو اختلاف في العمل الظاهر ، كالصلاة والصيام والحج، فهم يقولون إنه ليس من
الإيمان وإنما هو شرط للإيمان، إما شرط صحة وإما شرط كمال ، وهذا قول باطل
كما عرفنا .
والخلاف بينهم وبين جمهور أهل السنة خلاف معنوي وليس خلافاً
لفظي،
لأنهم يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص بالأعمال ، فلا
يزيد بالطاعة ولا ينقص بالمعصية ..
وإيمان الناس سواء لأنه عندهم التصديق بالقلب مع القول باللسان ! وهذا
قول باطل.
السؤال الحادي عشر:
ما هو القول فيمن نصب الأصنام والأضرحة والقبور وبنى عليها المساجد
والمشاهد وأوقف عليها الرجال والأموال وجعل لها هيئات تشرف عليها ومكَّن
الناس من عبادتها والطواف حولها ودعائها والذبح لها؟
الجواب:
هذا مشرك نسأل الله السلامة والعافية
، فمن نصب الأصنام فهو مشرك، وإذا أوقف عليها الأوقاف أو الأموال أو دافع
عنها، فيكون أيضا كافرا صادا عن سبيل الله فهذا جمع بين الْكُفْرَيْنِ؛
فعل الكفر بنفسه وصدَّ عن دين الله حينما جعل الأموال وأوقف الأوقاف ومنع
الناس من دين الله
وهو داخل في قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ
وهذا من المفسدين في الأرض كفر بنفسه وصدَّ عن دين الله نسأل الله السلامة.
السؤال الثاني عشر:
هل تصح الصلاة خلف إمام يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم أم لا؟
الجواب:
هذا الرجل كافر، الذي يستغيث بالأموات ويطلب المدد منهم ويسألهم قضاء
الحاجات وتفريج الكربات هذا مشرك،
ولا تصح الصلاة خلفه والصلاة خلفه باطلة؛
ومن صلى خلفه ولم يعلم حاله فإنه إذا علم يعيد الصلاة وهذا بإجماع المسلمين
أن الصلاة لا تصح خلف المشرك،
لكن الخلاف بين العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق؛
فالحنابلة وجماعة يمنعون الصلاة خلفه ويقولون: لا تصح، وآخرون يقولون: تصح
مع الكراهة، والصواب أنها تصح ولكن الصلاة خلف العدل أولى؛
هذا إذا كان موحِّدا لكنه فاسق،
أما المشرك فلا تصح الصلاة خلفه بالإجماع.
السؤال الثالث عشر:
هناك بعض الأحاديث التي يستدل بها البعض على أن من ترك جميع الأعمال
بالكلية فهو مؤمن ناقص الإيمان كحديث: ( لم يعملوا خيرا قط )
وحديث البطاقة وغيرها من الأحاديث؛
فكيف الجواب على ذلك؟
الجواب:
ليس في هذه الأحاديث حجة لهذا القائل،
فمن ترك جميع الأعمال بالكلية وزعم أنه يكتفي بما في قلبه من التصديق كما
سبق فإنه لا يتحقق إيمانه إلا بالعمل،
وأما أحاديث الشفاعة وأن المؤمنين الموحدين العصاة يشفع لهم الأنبياء
والأفراط والشهداء والملائكة والمؤمنون وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة
فيخرجهم رب العالمين برحمته، يخرج قوما من النار لم يعملوا خيرا قط،
قال العلماء: المعنى لم يعملوا خيرا قط أي زيادة على التوحيد والإيمان ولا
بد من هذا؛
لأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض وقد دلت النصوص على أن الجنة حرامٌ على
المشركين
وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر مناديا ينادي في بعض
الغزوات: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولما أمّر أبا بكر في الحج في
السنة التاسعة من الهجرة أرسل معه مؤذنين يؤذنون منهم أبو هريرة وغيره
يؤذنون في الناس بأربع كلمات منها: ( لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج
بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد فهو إلى عهده، ومن
لم يكن له عهد فهو إلى أربعة أشهر)
وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يدخل الجنة كافر،
قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنْصَارٍ )
فهذه نصوص محكمة وهذا الحديث يُرد إليها،
والقاعدة عند أهل العلم: أن المتشابه يُرد إلى المحكم.
ولا يتعلق بالنصوص المتشابهة إلا أهل الزيغ
كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ
مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ )
وثبت في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ( إذا رأيتم
الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )
وأما أهل الحق فإنهم يردون المتشابه إلى المحكم ويفسرونه به، وهذا
الحديث فيه اشتباه لكنه يرد إلى المحكم من النصوص الواضحة المحكمة في أن
المشرك لا يدخل الجنة وأن الجنة حرام عليه.
فلا يمكن أن يكون معنى الحديث: لم يعملوا خيرا قط أنهم مشركون وليس عندهم
توحيد وإيمان، وأنهم أخرجهم الله إلى الجنة فهذا لا يمكن أن يكون مرادا،
وإنما المراد لم يعملوا خيرا قط أي: زيادة على التوحيد والإيمان،
وكذلك حديث البطاقة ليس فيه أنه مشرك وإنما فيه أنه موحِّد ففيه أنه:
(يؤتى برجل ويخرج له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر سيئات، ويؤتى له
ببطاقة فيها الشهادتان فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فطاشت السجلات
وثقلت البطاقة )
ومعلوم أن كل مسلم له مثل هذه البطاقة وكثير منهم يدخلون النار، لكن هذا
الرجل لما قال هاتين الشهادتين قالها عن إخلاص وصدق وتوبة،
فأحرقت هذه السيئات فثقلت البطاقة وطاشت السجلات
السؤال الرابع عشر :
ما حكم من يدعو غير الله وهو يعيش بين المسلمين وبلغة القرآن ، فهل هذا
مسلم تلبس بشرك أم هو مشرك ؟
الجواب :
هذا الشخص مشرك ؛ لأنه غير معذور إذا كان يعيش بين المسلمين لقول
الله : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ
بَلَغَ ) فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة ، وقال تعالى : ( وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) فمن بلغه القرآن وبلغته
الدعوة وفعل الشرك وهو يعيش بين المسلمين فإنه مشرك .
وقال بعض أهل العلم : إن الشخص إذا كان يخفى عليه ما وقع فيه من الشرك
بسبب دعاة الضلال والإشراك وبسبب كثرة المضلين حوله وخفي عليه الأمر فإنه
في هذه الحالة يكون أمره إلى الله فيكون حكمه حكم أهل الفترة إذا لم يعلم
ولكنه إذا مات يعامل معاملة المشركين فلا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يدفن
مع المسلمين في مقابرهم .
فالمقصود أن الأصل أنه لا يعذر لكن لو وجد بعض الناس خفي عليه بسبب دعاة
الشرك والضلال ولم يعلم قد يقال إنه معذور في هذه الحالة وأمره إلى الله
تعالى ،
وبكل حال يجب عليه أن يطلب الحق ويتعرف عليه ويسعى له كما أنه يسعى في
معيشته ويسأل عن طرق الكسب فيجب عليه أن يسأل عن دينه ويسأل عن الأمر الذي
أشكل عليه
وكونه لم يسمع الحق ولم يقبل الحق وتصامم عن سماع الحق
فليس هذا عذراً له ؛ هذا هو الأصل .
السؤال الخامس عشر :
هل يشترط في إقامة الحجة فهم الحجة فهماً واضحاً جلياً أم يكفي مجرد
إقامتها ؛ نرجو التفصيل في ذلك مع ذكر الدليل ؟
الجواب :
الواجب إقامة الحجة على من كان عنده شبهة وكذلك المشرك إذا أقيمت عليه
الحجة فقد زال عذره بمعنى أن يبلغه الدليل ويعلم أن هذا الأمر فيه دليل من
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
ولا يشترط فهم الحجة
فإن الله أخبر أن المشركين قامت عليهم الحجة ومع ذلك لم يفهموها فهماً
واضحاً ولكنهم قامت عليهم الحجة ببلوغها ؛ نزل القرآن وسمعوه وجاءهم النذير
وأنذرهم واستمروا على كفرهم فلم يعذرهم ولهذا قال الله تعالى : ( وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) وقد بعث الرسول ، وقال
تعالى : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ
بَلَغَ )
فاشترط في إقامة الحجة البلاغ ، وقال صلى الله عليه وسلم
: (( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا
يؤمن بي إلا دخل النار ))
وقال تعالى في وصف الكفار :
( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا
يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا
يَعْقِلُونَ)
ومع ذلك قامت عليهم الحجة فأخبر أن مثلهم مثلُ من يسمع الصوت ولا يفهم
المعنى كمثل الغنم التي ينعق لها الراعي فتسمع الصوت ومع ذلك قامت عليهم
الحجة ،
وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ
هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ)
ولم يقل حتى يتبين ؛
بل قال : (حَتَّى يُبَيِّنَ ) وهذا هو قيام الحجة ،
فإذا فهم الحق وعرف هذا الدليل وعرف الحجة فقد قامت عليه الحجة ولو لم
يفهمها ؛
فلا يشترط فهمها وهذا الذي تدل عليه النصوص وهو الذي قرره أهل العلم.
السؤال السادس عشر :
هل تكفير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – للطائفة الممتنعة من أداء
شعيرة الزكاة حين فعل هذا ما ارتد من العرب لأجل جحدهم للوجوب أم لأجل مجرد
المنع وعدم الالتزام بالأداء ؟
الجواب :
أهل الردة الذين ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أقسام ؛
منهم من رجع إلى الأصنام والأوثان فعبدها
ومنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لو كان نبياً ما مات ؛
وهؤلاء كفار لا إشكال فيهم ،
ومنهم من منع الزكاة والصحابة قاتلوهم جميعاً ولم يفرِّقوا بينهم وسموهم
المرتدين ؛
والذي منع الزكاة قال العلماء إنما كفر لأنه إذا منعها وقاتل عليها دل على
جحوده إياها لأنه فعل أمرين : منعها وقاتل عليها ،
أما إذا منعها ولم يقاتل عليها فإنها تؤخذ منه ويؤدَّب ولا يكفر ،
ولكن إن منعها وقاتل عليها فإنه يكفر ؛ لأن هذا دليل على جحوده والمرتدون
الذين منعوا الزكاة منعوها وقاتلوا عليها فدل على أنهم جحدوها
ولهذا عاملهم الصحابة معاملة المرتدين وسموهم مرتدين كلهم وقاتلوهم ، لا
فرق بين من أنكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو عبد الأصنام أو من جحد
الزكاة
لأنه جحد أمراً معلوماً من الدين بالضرورة .
السؤال الثامن عشر :
ما حكم تنحية الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين وضعية كالقانون الفرنسي
والبريطاني وغيرها مع جعله قانوناً ينص فيه على أن قضايا النكاح والميراث
بالشريعة الإسلامية ؟
الجواب :
هذه مسألة فيها كلام لأهل العلم وقد ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله –
أن من بدَّل الشريعة بغيرها من القوانين فإن هذا من أنواع الكفر ومثَّل
لذلك بالمغول الذين دخلوا بلاد الإسلام وجعلوا قانوناً مكوناً من عدة مصادر
يسمى ( الياسق ) وذكر كفرهم
وذكر هذا أيضاً الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله – فقد قال في
أول رسالته (( تحكيم القوانين )) :
(( إن من الكفر المبين استبدال الشرع المبين بالقانون اللعين ))
فإذا بدَّل الشريعة من أولها إلى آخرها كان هذا كفراًَ من أنواع الكفر
والردة،
وقال آخرون من أهل العلم : إنه لابد أن يعتقد استحلاله ولابد أن تقام عليه
الحجة وذهب إلى هذا سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز - رحمه الله –
وقال : إنه لابد أن تقوم عليه الحجة لأنه قد يكون جاهلاً بهذا الأمر وليس
عنده علم ؛ فلابد أن يبين له حتى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجة
فإنه يحكم بكفره ،
والمقصود أن هذه المسألة مسألة خطيرة وهذا إذا لم يكن لمن وضع القانون
أعمال كفرية أخرى
أما إذا كان تلبَّس بأنواع من الكفر الأخرى فهذا لا إشكال فيه ،
لكن هذا مفروض في شخص لم يتلبَّس بشيء من أنواع الكفر ؛ فهل يكون هذا كفراً
أكبر بمجرد تبديله الدين كما ذكر هذا الحافظ ابن كثير والشيخ محمد بن
إبراهيم - رحمهما الله – وغيرهما من أهل العلم ،
أو أنه لابد من إقامة الحجة وبيان أن هذا الأمر كفر فإذا قامت عليه الحجة
حكم بكفره .