الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين ....
ثم
أما بعد: فاتقوا الله ربكم وأنيبوا إليه تسعدوا واشكروه على نعمه تُزادوا وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].
عباد الله، إن من شكر الله تعالى على نعمة القرآن الكريم القيام بحقوقه الواجبة نحوه، عسى أن نكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته..
وإليكم هذه الحقوق التي يهم المسلم معرفتها ليتسنى له أداؤها كما أمر، فأول هذه الحقوق:
أولاً: الإيمان به: قال الإمام الطحاوي رحمه الله في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن الكريم: "ونؤمن أن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية.. ولا نجادل في القرآن، ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين فعلمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين"اهـ.
والإيمان بالقرآن الكريم امتثال لأمر الله تعالى بذلك حين قال: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى أَنَزلَ مِن قَبْلُ [النساء:136].
ثانياً: العمل به: انطلاقاً من طاعة الله سبحانه الواجبة ٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ.. [الأنفال:20]، ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ.. [الأنفال:24]، وفي صحيح مسلم: ((يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ـ ضياء ونور ـ أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما))، فيا سعادة من عمل بالقرآن الكريم فانتهى عما فيه من نواهي وامتثل ما فيه من أوامر وقال قول المؤمنين سمعنا وأطعنا.
ثالثاً: تعلمه وتعليمه: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) البخاري، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل القرآن في كل عام مرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: ((اقرأ علي)) قال: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري)) قال: فقرأ عليه من أول سورة النساء إلى قوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء:41] فبكى. رواه مسلم.
فمن حق كتاب الله تعالى علينا أن نعتني بتعلمه وإتقانه، وأن لا يحول بيننا وبين تعلمه حياء أو انشغال بأمور الدنيا التي لا تنقضي حاجاتها ما دام المرء على قيد الحياة، وإن خير ما قضى المسلم وقته به تعلم كتاب الله تعالى وحفظه وتعليمه، وما أجمل أن يكون لكتاب الله تعالى دور فعال في تربيتنا لأبنائنا وبناتنا، وأن نعمر بالقرآن الكريم قلوبنا وبيوتنا، وننور به عقولنا ونشربه أولادنا محبة وتقديراً.
رابعاً: تلاوته، فمن أراد الأجر الوافر فعليه بكتاب الله، يقول الله تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَـٰرَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29، 30]، ومن أشغل وقته بتلاوة كتاب الله فلينتظر ذلك الموقف العجيب حين يهب القرآن الكريم في يوم القيامة شافعاً لأصحابه وأحبابه الذين عطروا أفواههم بتلاوته، وأمضوا أعمارهم في صحبته، فعن أبي أمامة ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) مسلم.
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه ((يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما )) مسلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو)) متفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) الترمذي وقال: حسن صحيح.
وعند تلاوة القران ومدارسته تتنزل الملائكة والسكينة والرحمة، فعن البراء بن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال: ((تلك السكينة تنزلت للقرآن)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)) مسلم، فيا عباد الله ألا تحبون أن تكونوا مجالسين لملائكة الرحمن الذي هم من خير عباد الله لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6]، وأين من يرى سعادته وفخره في مجالسة البشر من أرباب المناصب والمال من هذا الشرف الحقيقي، وشتان ما بين مشرق ومغرب.
خامساً: حفظه، فيجب أن يكون في الأمة من يحفظ كتاب الله تعالى ويتقنه قياماً بالحفظ الذي تكفل الله تعالى به، ومن قرأ القرآن وهو حافظ له فهو يوم القيامة مع الملائكة السفرة الكرام البررة، فعن عائشة: ((الذي يقرأ القران وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القران ويتَتَعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) متفق عليه.
والحمد لله رب العالمين